الجريدة – 31/12/2021
الفساد سرقة لثروات الأمة لأنه يسرق من المواطنين قدراتهم الكامنة، كما يسرق منهم طموحاتهم وتطلعاتهم نحو مستقبل أفضل وتعليم أحسن ورعاية صحية أشمل، وقدرة أكبر على الحصول على حياة آمنة وكريمة، كما يؤدي إلى إهدار سيادة القانون وزعزعة المؤسسات القائمة على اقتصاد السوق التي تعتبر أساس الديموقراطية وإلى انتشار الجريمة وتهديد الأمن العام.
فقد تسبب الفساد في خسارة نحو تريليون دولار أميركي في العام الماضي، وهو مبلغ لم يكن متوافرا من أجل توسيع الرعاية الصحية أو تطوير التعليم أو تحسين مستوى المعيشة، وطبقا لمنظمة الشفافية الدولية فإن 68% من دول العالم لديها مشاكل فساد خطيرة، ولا يوجد بلد محصن تماما.
وفي استطلاع عالمي مستمر اجتذب حتى الآن 9.7 ملايين مشاركة “كانت الحكومة الأمينة والمتجاوبة” هي رابع أولوية تحظى بالشعبية فيما يتعلق بالسياسات، حيث جاءت بعد التعليم والرعاية الصحية والوظائف الأفضل.
وفي الكويت نعاني عدم وضوح الرؤية الإصلاحية ومزاجية في اتخاذ القرار الحكومي، وتجاذب حكومي- نيابي حول الأولويات، وهذا الوضع انعكس أثره السلبي بشكل واضح على التنمية بأشكالها الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، فمنذ 2004 كانت المؤشرات المحلية والدولية تؤكد تفشي الفساد، فعلى سبيل المثال كان ترتيب الكويت في مؤشر مدركات الفساد 2003 هو 35، وفي 2004 تراجع إلى 44 في هذا المؤشر الذي تعده منظمة الشفافية الدولية حتى وصل ترتيبنا إلى 78 في 2020، ولا توجد رؤية وطنية واضحة لوقف هذا التدني المستمر في المؤشرات الدولية.
وبالرغم من إنشاء “حقيبة وزارية جديدة” تحت مسمى وزير تعزيز النزاهة فإن هذا المولود الجديد غير واضح المعالم، فلم نشهد برنامج عمل لتلك الوزارة أو حتى رؤية ورسالة أو استراتيجية عمل، والتي كان الأولى بها أن تبدأ بمحاولة تجييش جهود الجهات الرقابية الحكومية والجهات الفاعلة في المجتمع المدني لوضع ملامح عمل بناء مشترك يدعم الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد ويسهم في سد الفراغ التشريعي في المنظومة القانونية لتعزيز النزاهة.
وفي 2005 حين تم إنشاء جمعية الشفافية الكويتية، كان الهدف تعزيز الشفافية والنزاهة ومكافحة الفساد وإقرار قانون حق الحصول على المعلومات بالإضافة الى العديد من القوانين التي تعنى بتعزيز الإدارة الحكومية الرشيدة وديموقراطية أكثر نزاهة وحيوية، وهي متطلبات تصب كلها في خدمة الحقوق الإنسانية التي ينبغي أن يتمتع بها كل مواطن، لأن الهدف النهائي لأي دولة وأي نظام حكم هو “التنمية”، أي حصول الإنسان على أفضل قدر ممكن من الحياة الكريمة في ظل الإمكانات والظروف المتوافرة، فإن لم نعزز النزاهة ونكافح الفساد فإن الضحية الأولى لذلك هي التنمية.
في ظل هذا التشخيص الذي قمنا به وصلنا إلى مجموعة من القناعات:
1- لا تنمية مع الفساد: فلا يمكن تحقيق خطط التنمية في ظل مؤشرات عالية للفساد الإداري والمالي.
2- لا استقرار مع فوضى الديموقراطية: فلا يمكن لأي بلد أن يستقر وتلتفت مؤسساته الرسمية وقواه الاجتماعية والاقتصادية إلى التنمية ما لم تكن الديموقراطية مستقرة ويتم التوافق عليها من مكونات المجتمع.
3- لا تقدم دون استراتيجية متكاملة للحوكمة: إذا أردنا تحقيق الحكم الرشيد (الشفافية والنزاهة ومكافحة الفساد) وما تفضي إليه من نتائج إيجابية، فلا بد أن يكون العمل الإصلاحي ككل متكامل في جميع القطاعات ومختلف المستويات، فلا يمكن تحقيق الإصلاح المالي في ظل تفشي الفساد السياسي والإداري.
4- لا إصلاح دون توافق: فدولة الكويت يرأسها أمير، والدستور يبين إجراءات تعديله نحو الأفضل، بأن تتم بالتوافق بين الأمير والبرلمان، لذلك لابد من توافق وتفاهم تلك الأطراف لتحقيق الإصلاح، وهو سبيل قد يبدو صعبا وطويلا، إلا أنه أسهل وأفضل من تجارب الدول الأخرى التي قامت بالإصلاح بقرار آحادي لم يحقق النتائج المرجوة.